محمد إبراهيم الكتاني بقلم أبو محمد المصري

علامة بحاثة مشارك، من رواد الفكر الإسلامي في المغرب وأحد مؤسسي الحركة الوطنية المغربية، والمجاهدين ضد الاستعمار الفرنسي، ورواد إحياء التراث المغربي، ومن المنادين بإحياء فكر ابن حزم، ونشر تراث الظاهرية في العالم، وأولهم في المغرب. تميز بالتوفيق بين الفكر الإصلاحي المشرقي والنصوص الشرعية، بحيث يعد كمحمد رشيد رضا في المشرق. اهتم بالاجتهاد والإبداع الإسلامي في مختلف مؤلفاته ومحاضراته ودروسه، حتى كتب موسوعته الكبرى: "طبقات المجتهدين وأعداء التقليد في الإسلام" في خمسة مجلدات. وكتب " مؤلفات ابن حزم ورسائله بين أنصاره وخصومه ". وهو القسم الثاني من العمل الببليوغرافي الذي قدمه الكتاني حول ابن حزم، ذكر فيه عدد مؤلفاته ورسائله، سواء كانت موجودة أو مفقودة، مطبوعة أو مخطوطة، كما ذكر المؤلفات التي تنسب إليه خطأ أو يشك في نسبتها إليه.
أنظر مقال أبو محمد المصري

 محمد ابراهيم الكتاني

مؤلفات ابن حزم ورسائله بين أنصاره وخصومه
بقلم محمد إبراهيم الكتاني


يذكر ابن حيان عن مؤلفات ابن حزم أن: أكثرها لم يعد عتبة بابه. وأن بعضها أحرق بإشبيلية ومزق علانية! وفي (المغرب) لابن سعيد: (ج 1 ص 405): أن أبا الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى سنة 474هـ ــــ 1081م) كان السبب في إحراق كتبه!. ويعلل ابن حيان ذلك بالأسباب التالية: 1
ــــ شذوذه الفكري، ومخالفته ما عليه الناس. 2
ــــ جرأته على تغليط من سبقه. 3
ــــ وقوعه في أغلاط نتيجة لذلك. 4
ــــ صراحته في التعبير عن آرائه. 5
ــــ استهدافه إلى فقهاء وقته، مما جعلهم يتمالؤون على بغضه ورد قوله. ويجمعون على تضليله، والتشنيع عليه. وتحذير سلاطينهم من فتنته! ونهى عوامهم عن الدنو منه والأخذ عنه)». ثم أضاف ابن حيان: «إن مما كان يزيد في شنآنه تشيعه لأمراء بني أمية: ماضيهم وباقيهم بالمشرق والأندلس، واعتقاده لصحة إمامتهم وانحرافه عمن سواهم من قريش حتى نسب إلى النصب لغيرهم». هذا وقد بين ناشرا كتاب (جوامع السيرة) في مقدمتهما بطلان ما قاله ابن حيان عن أموية ابن حزم! (ص 12 ــــ 13).


صمود ابن حزم


ويحدثنا ابن حيان عن صلابة ابن حزم وثباته في مواجهة هذه الحرب العوان التي أعلنها ضده الفقهاء والسلاطين مجتمعين فيقول: «وهو في كل ذلك غير متردع ولا راجع إلى ما أرادوا به يبث علمه فيمن ينتابه من عامة المقتبسين منه عن أماغر الطلبة الذين لا يخشون فيه الملامة!». وإن مقاومة أعدائه لمؤلفاته كانت «لا تزيده إلا بصيرة في نشرها، وجدالاً للمعاند فيها» ! وقد كان ابن حزم يشعر باعتزاز كبير بهذه المعركة الدائرة حوله، فهو يقول في جوابه لابن عمه الوزير الكاتب ابن المغيرة عبد الوهاب ابن حزم، كما في (الذخيرة) لابن بسام: (ج 1 ص 138): كفاني ذكر الناس لي ومآثري وما لك فيهم يا ابن عمي ذاكر! عدوي وأشياعي كثير كذاك من غدا وهو نفاع المساعي وضائر! وما لك فيهم من عدو فيتقى! وما لك فيهم من صديق يكاثر! وقولي مسموع له ومصدق وقولك منبت من الريح طائر! ويقول ناعياً نفسه: كأنك بالزوار لي قد تبادروا وقيل لهم: أودى علي بن أحمد! فيارب محزون هناك وضاحك وذي أدمع تذري وخد مخدد! وأبياته التي قالها عند إحراق كتبه مشهورة: فإن تحرقوا القرطاس لم تحرقوا الذي تضمنه القرطاس بل هو في صدري! يسير معي حيث استقلت ركائبي وينزل إن أنزل ويدفن في قبري! دعوني من إحراق رق وكاغد وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري! وإلا فعودا في المكاتب بدأة فكم دون ما تبغون لله من ستر كذاك النصارى يحرقون ــــ إذا اعتلت أكفهم ــــ القرآن في مدن الثغر!


استمرار المعركة


وقد استمرت هذه المعركة حول مؤلفات ابن حزم متواصلة منذ عهد ابن حزم إلى العصر الحاضر: فيحدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الملك المراكشي المتوفى سنة 703هـ ــــ 1303م في (الذيل والتكملة، لكاتبي الموصول والصلة) (بقية السفر الرابع ص 2 نشر الدكتور إحسان عباس بيروت): إن الكاتب سالم بن أحمد بن فتح القرطبي المحدث الظاهري المتوفى سنة 461هـ ــــ 1068م صديق ابن حزم، كتب كثيراً من مصنفاته. ويحدثنا المقري في (نفح الطيب). «إن الحافظ أبا عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح الحميدي الميورقي ثم البغدادي، لازم ابن حزم وقرأ عليه مصنفاته». وإن ابن عربي الحاتمي دفين دمشق المتوفى سنة 638هـ ــــ 1240م (الباطني عقيدة الظاهري مذهبا!) روى كتب ابن حزم عن عبد الحق الإشبيلي ثم البجائي المعروف بابن الخراط (ت 581هـ ــــ 1185م). ويحدثنا ياقوت في (معجم البلدان) (مادة بطروش 663ط أوروبا): «إن أبا جعفر أحمد بن عبد الرحمن البطروشي حافظ المذهب المالكي روى كتب ابن حزم عن ابنه أبي رافع أسامة. ويحدثنا الحافظ أبو طاهر أحمد السلفي دفين الإسكندرية (ت 576هـ ــــ 1180م) في (معجم السفر): «إن الصالح أبا محمد عبد الله بن محمد بن مرزوق اليحصبي الظاهري الأندلسي نزيل مصر ودفين دمشق. كانت له عناية عظيمة بتحصيل كتب أبي محمد بن حزم الظاهري ورسائله. قال السلفي: وقد كتبت من نسخه جملة صالحة. (راجع إحسان عباس: أخبار وتراجم أندلسية... رقم 28 ص 52 ط. بيروت 1963).

ويذكر ابن عبد الملك المراكشي في (الذيل والتكملة) ج 1 (مخطوط): «إن إمام أهل المغرب قاطبة في معرفة النبات الحافظ أحمد بن أبي الخليل مفرج العشاب، الإشبيلي السني الظاهري الشهير بابن الرومية، المتوفى سنة 637هـ ــــ 1239م عنه انتشرت تصانيف أبي محمد بن حزم، إذ كان قد عنى بها كثيراً، واستنسخها، وأنفق عليها أموالاً جسيمة حتى استوعبها، وما علم يشذ عنه منها إلا ما لا خطر له ــــ إن كان قد شذ! مقتدراً على ذلك، معاناً عليه بجاهه ويساره. «وإنه كان كثير الكتب في كل فن من العلوم على تفاريقها سمحاً لطلبة العلوم بها، ربما وهب منها لملتمسه الأصل النفيس الذي يعز وجوده، ويعظم جذواه، وترتفع قيمته! احتساباً به، وإعانة على التعليم، له في ذلك أخبار منبثة عن فضله وكرم طبعه». ويحدثنا صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي الدمشقي المتوفى سنة 761هـ ــــ 1363م في (الوافي بالوفيات) (رقم 755 ج 2 ص 210 ــــ 213): «إن الأمير ناصر الدين محمد بن جنكلي بن البابا، أحد أمراء الدولة الناصرية بالقاهرة، المتوفى سنة 741هـ ــــ 1340/1 م كان كثير المطالعة لكلام ابن حزم». ونجد في أول كتاب (جوامع السيرة) لابن حزم رواية كاتبها تصانيف ابن حزم، عن أبي حيان: محمد بن يوسف الأندلسي الجياني نزيل القاهرة ودفينها 745هـ ــــ 1344/5 م قال: أخبرني بتصانيف الإمام أبي محمد وجميع رواياته الكاتب أبو محمد عبد الله بن محمد بن هارون الطائي بتونس (المتوفى بها في 702هـ ــــ 1302/3 م) وغيره قالوا... كما نجد المنتوري: محمد بن عبد المالك القيسي (ت 834هـ ــــ 1430/41 م) يروي في (برنامجه) خ مؤلفات ابن حزم (وهي نحو من ستين) ومنظوماته عن الأستاذ أبي عبد الله بن عمر ــــ لعله الكناني القيجاطي (ت 811هـ ــــ 1908/9 م) وهي (حصر الشارد من أسانيد محمد عابد) السندي المدني (ت 1257هـ) روايته لمؤلفات ابن حزم من طريق ابن حيان (د 3506) ص 138 وص 333. كما نجد مثل ذلك في فهارس أخرى.

ويحدثنا الحافظ ابن حجر العسقلاني في (الدرر الكامنة) ج 3 ص 5. «إن أبا الحسن بن معاذ الظاهري: علي بن إبراهيم الأنصاري الأوسي، المتوفى سنة 774هـ ــــ 1372/3 م نسخ بخطه غالب تصانيف ابن حزم». وذكر الحافظ المؤرخ شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمان السخاوي المتوفى بالمدينة المنورة سنة 902هـ ــــ 1497م في (الضوء اللامع، لأهل القرن التاسع) ج 5 ص 266: إن العلاء أبا الحسن ابن الركن: علي بن عمر الخوارزمي المصري الظاهري المتوفى سنة 806هـ ــــ 1403/4 م طالع كتب ابن حزم واشتهر بمحبته والقول بمقالته.

وذكر السخاوي أيضاً (ج 2 ص 96 ــــ 98): «إن أبا هاشم أحمد بن محمد بن البرهان القاهري ثم الدمشقي، الظاهري المتوفى سنة 808هـ ــــ 1405/6 م صحب بعض الظاهرية ــــ وهو شخص يقال له سعيد السحولي ــــ فجذبه إلى النظر في كلام ابن حزم فأحبه». وذكر أيضاً (ج 5 ص 277 ــــ 279): «إن البدر البشتكي: أبا البقاء محمد بن إبراهيم الأنصاري الدمشقي الأصل المصري الشاعر الشهير الظاهري، المتوفى سنة 830هـ ــــ 1426/7 م أمعن في كلام ابن حزم فغلب عليه حبه». وذكر محمد بن زبارة اليمني في (ذيله) على كتاب (البدر الطالع) (ج 2 ص 170): «إن الشيخ العلامة علي بن محمد طامش الصنعاني المتوفى سنة 1189هـ ــــ 1775/6 م ــــ لازم السيد الإمام محمد بن إسماعيل الأمير الكحلاني ثم الصنعاني المجتهد المطلق، صاحب التصانيف المتوفى سنة 1182هـ ــــ 1768م. وسمعه يثني على مؤلفات ابن حزم ويصفه بالإنصاف. فتطلب من كتبه بصنعاء فلم يظفر منها بشيء فسار إلى مكة وأخرج منها (المحلي) شرح (المجلى) لابن حزم، واشتغل به دهراً طويلاً، وجنح من بعد إلى مذهب الظاهرية وأصبح داعية، وكان لا يعمل إلا بالحديث الصحيح».

ويجب ألا ننسى في هذا المقام قول أمير المؤمنين يعقوب المنصور الموحدي المجتهد المطلق. المتوفى سنة 595هـ ــــ 1190م، وقد وقف على ضريح ابن حزم ــــ: كل العلماء عالة على ابن حزم! أوردها المقري في (نفح الطيب) ج 4 ص 222 ط 68هـ. كما لا حاجة إلى التنبيه على أنا أهملنا ذكر أسماء الظاهرية الذين تأثروا ــــ بدون شك ــــ بمؤلفات ابن حزم ــــ إذ كانت أهم ما ألف في النزعة الظاهرية ــــ اكتفاء بمن وقع التنصيص على اهتمامهم بهذه المؤلفات على العموم. وقد عرف العصر الحديث عناية بالغة بمؤلفات ابن حزم: نشراً ودراسة وتحليلاً وترجمة وتقديراً من قوم، وانتقاداً من آخرين. فقد قال صديقنا الأستاذ سعيد الأفغاني الدمشقي في آخر دراسته (الرسالة المفاضلة بين الصحابة) لابن حزم: «فقد قدس في حياته الحق تقديساً، ورفع من شأن العقل الحر وترك لنا بين الأمم تراثاً لم يتح لغيره أن يضارعنا بمثله ! وقال الدكتور شوقي ضيف المصري في مقدمته لرسالة (نقط العروس) عن ابن حزم. «أنه ألف في مختلف فروع الثقافة وأظهر عبقرية فذة في كل ما ألف ». ونوه السيد الإمام محمد رشيد رضا رحمه الله (ت 1354هـ ــــ 1935م) بوجه خاص بمؤلفاته الفقهية والأصولية، فقال في (تفسير المنار): في العلاوة التي عقدها بعد تفسير الآيتين 104 و105 من السورة 7 (المائدة): { } ~ ! " £ $ % × ' ( ) } ]المائدة: 101[ : «وجملة القول إن أنصار السنة ثلة من الأولين، وقليل من الآخرين. منهم القوي والضعيف ولين القول وخشنه، والمبالغ والمقتصد. «وقد فضلت الأندلس الشرق ــــ بعد خير القرون ــــ بإمام جليل منهم، قوي العارضة شديد المعارضة، بليغ العبارة، بالغ الحجة ألا وهو الإمام المحدث الفقيه الأصولي، مجدد القرن الخامس أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم. «ألف كتباً في أصول الفقه وفروعه، هدم بها القياس، وبين إحاطة النصوص بالأحكام أبلغ بيان، وأنحى بها على أهل الرأي أشد الإنحاء.

«ولكنه جاء في القرن الخامس الذي تمكنت فيه المذاهب القياسية في جميع الأقطار بتقليد الجماهير، وتأييد الحكومات لها. وما حبس على أهلها من الأوقاف. حتى صار المنتسبون إلى كل مذهب منها يقدمون قول كل مؤلف منتسب إليها على نصوص الشارع التي اتفق نقلة الدين على صحتها! فما استفاد من كتب ابن حزم إلا الأقلون. «وعندي أن الصارف الأكبر للناس عن كتبه هو شدة عبارته في تجهيل فقهاء القياس حتى الأئمة المتبوعين منهم. «وقد كان أكابر العلماء في كل عصر يستفيدون من كتبه وينسخونها بأقلامهم وينافسون فيها، ولكن قلما كانوا ينقلون عنها إلا ما يجدونه من هفوة يردون عليها!. ولذلك يعد من مناقب الشيخ عز الدين بن عبد السلام (ت 660هـ ــــ 1262م) الذي اعترفوا له بالاجتهاد المطلق ولقب بسلطان العلماء، قوله لمن سأله عن خبر كتب الفقه في الإسلام؟: (المحلي) لابن حزم، و(المغني) للشيخ الموفق. «وفي (دار الكتب الكبرى) بمصر، نسخة من (كتاب الأحكام. في أصول الأحكام) لابن حزم، من خط علامة الشافعية في عصره ابن أبي شامة. (ــــ عبد الرحمان بن إسماعيل الدمشقي المتوفى سنة 665هـ ــــ 1267م) ــــ. «فهذا الأثر ــــ وذلك القول، يدلان على عناية كبار العلماء بكتب ابن حزم، وحرصهم على الاستفادة منها. «لم يجىء بعد الإمام ابن حزم من يساميه أو يساويه في سعة علمه. وقوة حجته، وطول باعه وحفظه للسنة، وقدرته على الاستنباط، إلا شيخ الإسلام، مجدد القرن السابع، أحمد تقي الدين ابن تيمية، (ت 728هـ ــــ 1328م). «وهو قد استفاد من كتبه، واستدرك عليها، وحرر ما كان من ضعف فيها، وكان على شدته في الحق مثله، أنزه منه قلماً! وأكثر أدباً مع أئمة الفقهاء من أهل الرأي والقياس، على أنه لم ينف القياس البتة، ولكنه فرق بين القياس الصحيح الموافق للنصوص والقياس الباطل المخالف لها، بما لم يسبقه إليه أحد من علماء الأمة فيما نعلم...) (ج 7 ص 144 ــــ 145).

وقال محمد كرد علي (ت 1372هـ ــــ 1953م) في (كنوز الأجداد) ص 245 ــــ 250: ابن حزم إمام في كل شأن: في الدين، والحكمة والأخلاق والأدب والتاريخ وفي كل ما أتقن من علم وتمثله وألف فيه، فهو جد عظيم، يملك عليك نفسك وأنت تنظر فيما شرح أو بسط وحاور وجادل، يتعاظمك بسلطان علمه فتكبره، وتكبر أدبه، ويعجبك بشدة غيرته على بث دعوته، ويسوءك أن يسىء إليه معاصروه وهو الذي كان كله إحساناً!. وإلى جانب هؤلاء المعجبين بمؤلفات ابن حزم إعجاباً لا حد له، عرف الفكر الإسلامي طائفة من خصوم ابن حزم المناوئين لمؤلفاته جملة وتفصيلاً. وقد ألف كثيرون في عصور مختلفة مؤلفات خاصة في الرد عليه، جمعنا منها قائمة طويلةً. ومنها كتاب (التنبيه على شذوذ ابن حزم) لمعاصره أبي الأصبغ عيسى بن سهل الأسدي الجياني، القرطبي المشاور بها، نزيل سبتة، وقاضي طنجة ومكناسة وغرناطة المتوفى بها سنة 486هـ ــــ 1093/4 م. والمؤلف يندد «بخوض ابن حزم فيما خالف الحق، ونافر الصدق، من غمطه على أئمة الدين واستخفافه بأقدار العلماء الراسخين، وقطعه عمره في تزييف دقائق علومهم، وبديع أقوالهم في الأصول والفروع، وترك ما وجب عليه وعلى غيره ممن يدين بالإسلام، من أتباعهم بإحسان، والدعاء لهم بالرحمة والغفران. ويذكر أن شرذمة، لا دين عندها، ولا عقل معها ولا خلاق لها! مالت إلى القول بمذهبه، ومطالعة تآليفه التي لا تفيد إلا سب من سلف، والطعن عليهم والمعاداة لهم!. فرأى (التنبيه) على قبح مذهبه، وسوء معتقده للأئمة، وفاضلي هذه الأمة وإظهاره لثلبهم في كل باب من تآليفه ، ولهجه بالاستخفاف بهم، في كل ورقة من تصنيفه . فعل من لا يتقي الله تعالى ولا يستحي من عباده ولا يراعي حق سلفه! ويذكر طرفا من جهله فيما أورد، واضطرابه فيما ذكر، وتصحيفه لما نقل وسطر، وقوله بما لم يقله من تقدم أو تأخر!

والمؤلف ينقل فصلاً من كلام ابن حزم، قد يبلغ الورقة والورقتين ثم يعقب بالرد عليه بسيل جارف من: السب الفاحش، والقذف اللاذع، والإقذاع البذيء، واللعن والتكفير! وهو يملك ثروة ضخمة جداً من هذه الألفاظ النابية ينفق منها على ابن حزم في إسراف وتبذير، في لهجة من توترت أعصابه وفقد السيطرة عليها! فهو: مخذول، ضال، شقي، مارق، معطل، جاهل، مفتون، وقح، معاند، فاسق، كافر ملحد، مخلط، مستحف، سخيف العقل، قليل الدين، عديم الحياء، مفارق لجماعة المسلمين، متلاعب بدينه، كذاب أشر، أعمى البصيرة، تائه في مهمة الحيرة، سابح في بحر العمى والظلمة، ما حاول في كتبه إلا هدم الإسلام ونقض عراه، اتباعاً لهواه !. ويقول: إن جميع ما يأتي به ويصنفه، من اللغو الذي يجب الإعراض عنه والهجر الذي يجب أن لا يسمع منه !. وهو يذكر من مؤلفات ابن حزم: (الفصل)، و(الأحكام) و(التوقيف على شارع النجاة)، و(النكت الموجزة)، و(كتاب الإعراب عن كشف الالتباس) و(مراتب الإجماع)، و(مراتب العلوم)، و(كتاب القواعد) على مذهبه و(المرطار!) (كذا). ومما شنع فيه على ابن حزم تشنيعاً شديداً ما ذكره في (المفصل) من: إظهار تبديل اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل، وبيان تناقض ما بأيديهم منها مما يحتمل التأويل، وهي الناحية التي أشاد الدارسون قديماً وحديثاً بعبقرية ابن حزم فيها، وسبقه إليها. وشنع كذلك تشنيعاً فظيعاً بالبرنامج الرائع الذي قدمه ابن حزم لتعليم الأطفال في كل من (مراتب العلوم) و(التوقيف على شارع النجاة) والداعي إلى الجميع في الدراسة بين العلوم الشرعية والعلوم العقلية والرياضية والأدبية. ومما شنع فيه على ابن حزم تشنيعاً كبيراً قوله بكروية الأرض وغير ذلك مما لا يتسع المجال الآن لإيراد شيء منه هنا.

وتوجد من هذا الكتاب بقايا أوراق لا أول لها ولا آخر، ولا صلة بينها، في مكتبة القرويين بفاس، أوقفني عليها محافظها الزميل الأستاذ العابد الفاسي، واستطعت التعرف على حقيقتها بعد دراسة طويلة. وقليل من خصوم ابن حزم هؤلاء من يعترف لمؤلفاته ببعض القيمة. ومن ذلك ما ذكره الشهاب الخفاجي: أحمد بن محمد المصري المتوفى سنة 1069هـ ــــ 1658م في أواخر كتيبه (طراز المجالس) ص 274 «أنه طالع كتب أبي محمد ابن حزم فوجده يمشي على غير الجادة: فيأتي بأمور تأباها الطباع السليمة! مع كثرة اطلاعه، وطول باعه وفيها فوائد جليلة وعوائد جميلة. ثم نقل فوائد من كتبه، وناقشه في بعضها (ص 274 ــــ 277). وهناك آخرون يعترفون له بالحفظ والاطلاع. ولكنهم ينكرون قدرته على التفقه والاستنباط ومن هؤلاء أحمد بن يوسف الفهري اللبلي الأشعري المتوفى بتونس سنة 601هـ ــــ 1553م. فقد حمل في (فهرسته) حملة عنيفة على ابن حزم وخصوصاً (النصائح) التي يسميها (القبائح) و(الفصل) و(المجلى) وقال: «ولا شك في أن الرجل حافظ، إلا أنه إذا شرع في تفقهه ما يحفظه لم يوفق فيما يفهمه! (نسخة خاصة، مصورة عن مكتبة برينستون).» ونقل السلطان المولى سليمان العلوي (ت 1238هـ ــــ 1822م) في كتابه (عناية أولى المجد في ذكر آل الفاسي بني الجد) (ص 5) عن الشيخ أحمد زروق الفاسي، دفين مصراته بليبيا (ت 899هـ ــــ 1493م) قوله عن ابن حزم: «أنه حافظ يعتمد عليه في النقليات ولا يلتفت لمذهبه في العقائد!. وقال عمر بن محمد بن خليل السكوني الإشبيلي الأشعري المتوفى سنة 717هـ ــــ 1713/4 م في (كتاب لحن العامة والخاصة في المعتقدات) (نسخة خاصة): وليتحرر من كلام ابن حزم إذا تكلم فيما يتعلق بأصول الدين وقواعد العقائد ومما يتعلق بالمعاني والحقائق، لأن هذا الرجل لم يكن من أهل هذا العلم فلما تكلم فيما ليس بفن له! لم يحسن!.

ونقله عبد الوهاب الشعراني (973هـ ــــ 1565م) في كتاب (لطائف المنن والأخلاق) مع عدم التزام لفظ ابن خليل! وذكر المؤرخ المفسر الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت 774هـ ــــ 1373م) في تاريخه (البداية والنهاية) ج 14 ص 291: أنه رأى في المنام أبا زكرياء محيي الدين النووي الدمشقي (ت 676هـ ــــ 1277م) فسأله: لم لم يدخل في (شرحه للمذهب) شيئاً من مصنفات ابن حزم؟ فأجابه بما معناه: أنه لا يحبه! فقال له ابن كثير: أنت معذور فيه! فإنه جمع بين طرفي النقيضين في أصوله وفروعه: أما هو في الفروع فظاهري جامد يابس! وفي الأصول تولى (كذا) مائع: قرمطة القرامطة! وهرس الهرانسة! ثم أشار ابن كثير للنووي إلى أرض خضراء تشبه التحيل بل هي أردأ شكلاً منه، لا ينتفع بها في استغلال ولا رعي! فقال له: هذه أرض ابن حزم التي زرعها! قال: انظر هل ترى فيها شجراً مثمراً أو شيئاً ينتفع به؟ فقال ابن كثير: إنما تصلح للجلوس عليها في ضوء القمر!!! ومن أطرف الآراء في مؤلفات ابن حزم رأي قاضي غرناطة وسجلماسة، أبي طالب عقيل بن عطية القضاعي الطرطوشي المتوفى سنة 608هـ ــــ 1211 م 2 في كتابه (فصل المقال في موازنة الأعمال. وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل) الذي ألفه في الرد على الحافظ الحميدي وشيخه ابن حزم، والذي نسبه له كثير من المؤلفين، وطال بحثي عنه إلى أن عثرت في المكتبة الناصرية بتامكروت على نسخة مقابلة مع المؤلف على نسخته، ومسموعة عليه ثلاث مرات وهي من بين ما نقلته إلى قسم مخطوطات الأوقاف بالخزانة العامة بالرباط. وهي تحت عدد ق 109.

قال عقيل بن عطية: «هذا الرجل ــــ يعني ابن حزم ــــ غلت فيه طائفتان: إحداهما تعظمه تعظيماً مفرطاً بحيث تقلده في جميع أقواله، ولا ترى مخالفته في شيء من مذهبه! وإذا أظهر لها في كلامه الخطأ البين، والوهم الصراح، لم تقبله وأحالت بالوهم والخطأ على من يتعاطى الرد عليه! أو على نفسها بالعجز عن الانتصار لذلك القول المردود! والطائفة الثانية تزري عليه، وتحط من قدره، حتى تعتقد ألا حسنة عنده فإذا أظهر لها ما في قوله من الجودة، وبين لها صحة ما ذهب إليه في أمر ما مما يتكلم عليه أو يتمذهب به. لم تقبله أيضاً، واعتقدت فيمن يبين ذلك ويتكلم عليه أنه على مذهبه الذي ينتحله! وقد يكون في هذه الطائفة من لا يفهم قوله! ولا يدري معناه، لكن يكرهه تقليداً. ويستصوب قولة من يرد عليه في الجملة!. وكلتا الطائفتين مخطئة فيما توهمته عليه من الإحسان المجرد أو الإساءة المجردة! بل هو واحد من العلماء وممن يقصد الحق عند نفسه فيما يراه. ويوثر العدل فيما يظنه ويتحراه فتارة يخطىء وتارة يصيب، فإذا أصاب فقوله سابق جداً. وإذا أخطأ فقوله نازل جداً . لأن أكثر أقواله إنما يأخذ بالطرفين وغيره من العلماء قد يكون صوابه قريباً من خطئه، أعني أنه إذا أصاب يكون صوابه قريب المرام، ليس فيه ذلك العموض، وإذا أخطأ لم يكن في ذلك الخطأ شذوذ ولا كبير تعسف! وهذا الذي قلناه هو الإنصاف في جانب أبي محمد بن حزم رحمه الله. والاعتدال الذي ينبغي أن يعتقد فيه، فإنما ذكرنا الواجب في حقه، كان له أو عليه. (ص 49). ولشيخ الإسلام ابن تيمية تفصيل في آراء ابن حزم الكلامية ورد في المجلد (الرابع من مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية) جمع وترتيب عبد الرحمن ابن محمد العصامي النجدي، مطابع الرياض ص 138 جاء فيه:

وكذلك أبو محمد بن حزم فيما صنفه من (الملل والنحل) إنما يستجمد بموافقة السنة والحديث. مثل ما ذكره في مسائل (القدر) و(الإرجاء) ونحو ذلك بخلاف ما انفرد به. من قوله في (التفضيل بين الصحابة) وكذلك ما ذكره في (باب الصفات) «فإنه يستحمد فيه بموافقة أهل السنة والحديث، لكونه يثبت الأحاديث الصحيحة، ويعظم شأن السلف وأئمة الحديث. ويقول: إنه موافق للإمام أحمد في (مسألة القرآن) وغيرها، ولا ريب أنه موافق له ولهم في بعض ذلك! «لكن الأشعري ونحوه أعظم موافقة للإمام أحمد ومن قبله من الأئمة في القرآن والصفات، وإن كان أبو محمد بن حزم في (مسائل الإيمان) (والقدر) أقوم من غيره. وأعلم بالحديث وأكثر تعظيماً له ولأهله من غيره، لكن، خالط من أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات ما صرفه عن موافقة أهل الحديث في معاني مذهبهم في ذلك. فوافق هؤلاء في اللفظ وهؤلاء في المعنى!. «وبمثل هذا صار يذمه من يذمه من الفقهاء والمتكلمين وعلماء الحديث، باتباعه لظاهر لا باطن له كما نفى المعاني في الأمر والنهي والاشتقاق، وكما نفى خرق العادات! ونحوه من عبادات القلوب! مضموماً إلى ما في كلامه من الوقعية في الأكابر، والإسراف في نفي المعاني، ودعوى متابعة الظواهر. «ويوجد في كتبه من كثرة الاطلاع على الأقوال، والمعرفة بالأحوال، والتعظيم لدعائم الإسلام ولجانب الرسالة، ما لا يجتمع مثله لغيره! فالمسألة التي يكون فيها حديث يكون جانبه فيها ظاهر الترجيح. «وله من التمييز بين الصحيح والضعيف، والمعرفة بأقوال السلف، ما لا يكاد يقع مثله لغيره من الفقهاء». وجاء في ص 395 ــــ 396 من نفس الجزء: «وأبو محمد ــــ مع كثرة علمه، وتبحره، وما يأتي به من الفوائد العظيمة، له من الأقوال المنكرة الشاذة ما يعجب منه كما يعجب مما يأتي به من الأقوال الحسنة الفائقة!».

وقد كان ابن تيمية في (شرح العقيدة الأصفهانية) أكثر حدة في الحديث عن ابن حزم حيث وصف بعض أقواله بأنها سفسطة في العقليات، وقرمطة في السمعيات! وأن هؤلاء الظاهرية الباطنية! أقرب إلى المعتزلة ــــ بل إلى الفلاسفة! ــــ من الأشعرية (ص 76 و77) بتقديم حسنين محمد مخلوف 86هـ ــــ 66. هذه صورة عن المواقف المختلفة لكثير من مختلف رجال الفكر الإسلامي في كثير من العصور والأقطار من مؤلفات ابن حزم على العموم ــــ أوردناها بنصوص أصحابها ولم نورد فيها ما قيل، مدحاً أو قدحاً، في مؤلفات معينة، مثل «المجلي»، و«المحلى» و«الفصل» و«حجة الوداع»، و«طوق الحمامة» و«الإيصال» و«مراتب الإجماع» و«كتاب الأعراب عن الحيرة والالتباس» و«كتاب الأحكام» و«التقريب لحد المنطق» و«المفاضلة بين الصحابة» و«السيرة النبوية» و«جمهرة أنساب العرب». وما أكثر ما قيل! على نية أن نورد ذلك ــــ إن شاء الله ــــ عند الكلام على كل كتاب بخصوصه.


عدد مؤلفات ابن حزم، وما هو الموجود منها


لم تصلنا قائمة كاملة بأسماء مؤلفات ابن حزم، وكل ما وصلنا بضعة أسماء ذكرها ــــ أثناء ترجمته ــــ مترجمان معاصران له، وهما الحميدي وابن حيان، ونقلها عنهما من جاء بعدهما، وأضاف إليها الذهبي في (تذكرة الحفاظ) بعض الأسماء. ولكنه في الترجمة الحفيلة التي كتبها عن ابن حزم في معلمته الكبيرة (سير النبلاء) ــــ وهي أطول ترجمة وصلتنا لابن حزم، والتي نشرها صديقنا الأستاذ سعيد الأفغاني في جزء خاص ــــ. حاول إحصاء مؤلفات ابن حزم، فذكر من المؤلفات الكبيرة 31 ومن الرسائل 38، فهي 69، وقد أخل فيها بذكر بعض ما ذكره في (تذكرة الحفاظ)! وتقدم لنا قريباً قول المنتوري: (وهي نحو من ستين؟).

وقد وضعنا قائمة لمؤلفات ابن حزم أوصلناها فيها إلى 140، المشكوك في صحة نسبته لابن حزم منها 5 الباقي 135 وإذا نحن ألغينا منها بعض ما يمكن أن يكون تكرر عدة لاختلاف في تسميته فإن الباقي لا يكاد يقل عن 120 مؤلفاً ورسالة. الموجود منها 52، يشك في صحة نسبة أربعة منها إليه، والمفقود 88، يشك في صحة نسبة واحد منها إليه.


اتصلوا بنا

تفضل قدم رسالة عبر الإيميل
kettani.y@gmail.com


أو عبر الواتساب على الرقم


(212) 661 198 993