مناسبات القران
بقلم محمد ابراهيم الكتاني

في ميدان الدراسات القرآنية كان الكتاب المغربي سباقا وبتفوق الى اثبات (وحدة الموضوع في السورة القرآنية) وذلك ما كان يعرف بالمناسبة بين الآية،
. فقد ذكر السخاوي في الضوء اللامع، ان البقاعي زعم ان شيخه ابا الفضل محمد بن ابي القاسم المشذالي الزواوي المغربي البجائي (21 أو 822 – 864) قال له:

الامر الكلي المفيد لعرفان مناسبات الآيات في جميع القران وهو أنك تنظر الغرض الذي سيقت له السور (كذا) - ولعل الصواب السورة - وتنظر ما يحتاج اليه ذلك الغرض من المقدمات، وتنظر الى مراتب تلك المقدمات في القرب والبعد من المطلوب، وتنظر عند انجرار الكلام في المقدمات الى ما يستتبعه من اشرف نفس السامع الى الاحكام واللوازم التابعة له التي تقتضي البلاغة شفاء العليل (كذا) بدفع عناء الاستشراف الى الوقوف عليها.
فهذا هو الامر الكلي على حكم الربط بين جميع اجزاء القران، فاذا فعلت ذلك تبين لك ان شاء الله تعالى وجه النظم مفصلا بين كل آية وآية في كل سورة سورة. (الضوء اللامع جزء 9 صفحة 185)

محمد ابراهيم الكتاني في شبابه


موقف القرآن من النفاق والمنافقين حديث إذاعي رمضان 1391
للأستاذ محمد ابراهيم الكتاني قسم مخطوطات بالخزانة العامة بالرباط

بسم الله الرحمن الرحيم (وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم). المنافقون قوم يعيشون في المجتمع الاسلامي على انهم من المسلمين ولكنهم غير مندمجين في هذا المجتمع ولا متجانسين معه، اما لعدم ايمانهم بالقيم الإسلامية التي هي اساس قيم هذا المجتمع، وعلة وجوده، واما لضعف ايمانهم بهذه القيم وصراعها في نفوسهم مع قيم أخرى، وهم، مع انعدام هذا الايمان من نفوسهم او ضعفه، يدعون الايمان ويتظاهرون بانهم من المسلمين، ولكن سلوكهم وتصرفاتهم، والمواقف التي يقفونها من القضايا التي يواجهها المجتمع الإسلامي، والمشاكل التي تعترضه، كل ذلك يفضحهم، ويكشف سرائرهم، ويبين عما في نفوسهم رغم حفظهم الشديد على اخفائه، وعدم اظهاره للمؤمنين. ويرجع غالبا سبب انعدام الايمان من أنفسهم، او إضعافه، إلى سيطرة الانانية عليهم، وتحكم الأغراض الشخصية والمصالح الذاتية فيهم
. وقد ابتلي المجتمع الاسلامي على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا النوع من الناس، مما جعل القران يتصدى لمقاومتهم، والتشهير بهم، والتحذير منهم، وتسجيل مواقفهم، وذكر اوصافهم، في نحو من عشرين سورة، بل ذكر بعض المتخصصين في الدراسات القرآنية ان نحو ثلث القران ورد فيهم، فهم اصحاب مظهر خداع، ولسان خلاب، ولكن ما وراء ذلك فراغ في فراغ (واذا رايتهم تعجبك اجسامهم، وإن يقولوا تسمع لقولهم، كأنهم خشب مسندة)، وهم ضعاف الشخصية، جبناء، لا يستطيعون الظهور بمظهرهم الحقيقي، فيدعون الايمان – كذبا - امام المسلمين ويظهرون حقيقتهم عندما يختلون ببعضهم (ويقولون طاعة فاذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول) (وإذا لقوا الذين امنوا قالوا امنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا ان معكم انما نحن مستهزئون) (ومنهم من يستمع اليك اذا خرجوا من عندك قالوا للذين اوتوا العلم ماذا قال انفا؟) (ويتناجون بالاثم والعدوان ومعصيه الرسول).
وهم يشعرون بان المؤمنين لا يثقون فيهم ولا يطمئنون اليهم، فيؤكدون دعواهم بالإيمان المغلطة (يحلفون لكم ليرضوكم) ويحلفون انهم لمنكم - وما هم منكم – (ويحلفون في على الكذب وهم يعلمون). وهم يعيشون من هذا الازدواج في شخصيتهم في قلق دائم ، واضطراب مزعج ، يخافون ان يفتضحوا وتعرف حقيقتهم (يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبؤهم بما في قلوبهم)، (يحسبون كل صيحة عليهم)، وهم لا يشعرون بوازع من أنفسهم لعبادة الله تعالى واللجأ اليه ومناجاته، ( واذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس، ولا يذكرون الله الا قليلا ، مذبذبين بين ذلك ، لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء)، ويتخذون المساجد ولكن لعكس ما شرع له اتخاذ المساجد في الاسلام (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المومنين وارصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل، وليحلفن ان اردنا الا الحسنى) وهم (يقبضون أيديهم) فلا يساهمون بإنفاق نصيب من أموالهم في مصالح الجماعة والدفاع عنها (أشحة عليكم) (اشحة على الخير) (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ، فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون ، فأعقبهم نفاقا في قلوبهم الى يوم يلقونه ، بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون)، بل ان منهم من يتنكر للجماعة الإسلامیۃ اذا لم ينله ربح مادي منها (ومنهم من يلمزك في الصدقات فان اعطوا منها رضوا، وان لم يعطوا منها إذا هم يسخطون).
ومن طبيعة الايمان ان يبعث في نفس المومن الشعور بالعزة والكرامة، ويدفعه الى الاستماتة في سبيل عقيدته، ويحبب اليه الاستشهاد في نصرتها والدفاع عنها، ولهذا قيل بحق ان الجبن والايمان لا يجتمعان في قلب واحد ابدا. وقد صور القرآن جبن المنافقين وفزعهم في أبشع صورة وأبعثها على السخرية والاستهزاء بهم (فاذا انزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون اليك نظر المغشى عليه من الموت) (فاذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون اليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت، فاذا ذهب الخوف سلقوكم بالسنة حداد) (ولكنهم قوم يفرقون، لو يجدون ملجأ او مغارات او مدخلا لولوا اليه وهم يجمحون). ومن الطبيعي - وهم على هذه الحالة المزرية من الرعب والفزع - ان يحتاطوا لأنفسهم ويعملوا على تجنب المخاطرة بحياتهم، فهم من جهة (يتخذون الكافرين أولياء من دون المومنين) (تولوا قوما غضب الله علیهم، ما هم منكم ولا منهم) ( يسارعون فيهم يقولون : نخشى ان تصيبنا دائرة) ( يريدون ان يا منوكم ويا منوا قومهم ) ( ذلك بانهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الامر)، وهم من جهة اخرى (لا يأتون البأس الا قليلا) ( واذا انزلت سورة - ان آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله، استأذنك اولوا الطول منهم، وقالوا: ذرنا نكن مع القاعدين) (ويستأذن فريق منهم النبي : يقولون: ان بيوتنا عورة - وما هي بعورة - إن، يريدون الا فرارا ) ومنهم من يتخلف عن المعركة من غير استاذان ولا اعتذار ( وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله او ادفعوا ، قالوا: لو نعلم قتالا لاتبعناكم)، والذين لا يستطيعون التخلف عن المعركة لا يلبثون ان يفتضحوا وخصوصا اذا تعرضوا للابتلاء ( يقولون : لو كان لنا من الامر شيء ما قتلنا ما هنا) (واذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض: ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا) والذين تخلفوا عن المعركة يتتبعون سيرها ويهتمون بتعرف أخبارها (يسألون عن انبائكم، ولو كانوا فيكم ما قاتلوا الا قليلا) ( ان تصبك حسنة تسؤهم وان تصبك مصيبة قال: قد انعم الله علي ان لم أكن معهم شهيدا، ولئن اصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم يكن بينكم وبينه مودة: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما).
وهم انتهازيون وقحون، لا يخجلون ولا يستحيون، يريدون ان يستفيدوا من نتائج المعركة، ويستغلوا الانتصار لمصلحتهم الشخصية أيا كان المنتصر (الذين يتربصون بكم، فان كان لكم فتح من الله قالوا : ألم نكن معكم؟ وان كان للكافرين نصيب قالوا: ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المومنين؟). وهم مؤذون للمومنين، مستهزئون بهم، لا يكاد يسلم من إذایتهم وسخريتهم أحدا (واذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول: أيكم زادته هذه ايمانا؟) ومنهم الذین یؤذون النبي (والذين يؤذون المومنين والمومنات بغير ما اكتسبوا) ( والذين يلمزون المطوعين من المومنين في الصدقات والذين لا يجدون الا جهدهم فيسخرون منهم) (ولئن سألتهم ليقولن انما كنا نخوض ونلعب، قل: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون) (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا: أنومن كما آمن السفهاء). وهم ـ من عداوتهم للمجتمع، وخروجهم عليه، وعرقلتهم لوحدته، وتجانسه و انتصاره - يعتبرون أنفسهم عاملين لخيره وسعادته (واذا قيل لهم : لا تفسدوا في الارض قالوا: انما نحن مصلحون).
ومجمل القول فيهم: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض: يامرون بالمنكر، وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم، نسوا الله فنسيهم، ان المنافقين هم الفاسقون) ولا عجب ان يستحقوا ما وعدهم الله جزاء وفاقا: ( وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها، هي حسبـهم، ولعنهم الله، ولهم عذاب مقيم)
. هذا ما اتسع الوقت لذكره من صفات (المنافقين والذين في قلوبهم مرض) حسبما وردت فمي القرآن الكريم. والمستمع الكريم اذا التفت حواليه في مجتمعه الذي يعيش فيه، وجد كثيرا ممن يعرفهم قد توفرت فيهم ـ مع الاسف الشديد - كثير من هذه الصفات، بل لعله لو رجع الى نفسه، ووزن تصرفاته وأعماله بهذه الموازين القرآنية لوجد نصيبه منها موفورا غير منقوص. وقد أخرج البخاري عن ابن أبي مليكة قال: أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله (ص) ممن شهد بدرا كلهم يخاف النفاق على نفسه ولا يامن المكر على دينه. . نسأل الله ان يحفظ علينا ديننا ويثبت قلوبنا، ويقينا شر النفاق والمنافقين، والسلام عليكم ورحمة الله.

محمد ابراهيم الكتاني وسط ثلة من علماء الجزائر في تدشين المدرسة الحديثة بتلمسان

كيف استطاع المسلمون الحفاظ على النص القرآني

ذلك هو عنوان المحاضرة القيمة التي القاها الاستاذ البحاثة السيد محمد ابراهيم الكتاني في المهرجان العظيم الذي نظمه حزب الاستقلال بمسرح محمد الخامس بالرباط، يوم 27 رمضان 1987 احياء لذكرى مرور اربعة عشر قرنا على ابتداء نزول القرآن الكريم على النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه، وحضرها وفود البلاد الاسلامية التي قدمت للمغرب للمشاركة في هذه الذكرى الخالدة: فذكر ان هذه الظاهرة الغريبة في: تاريخ الكتب - وخصوصا الدينية منها- ما فتئت تلفت انتباه كثير من الدارسين للقرآن، من اشاعرة ومعتزلة، وشيعة : امامية وزيدية واثريين، ومالكية ، واحناف ، وقراء ، ومؤرخين للأديان، ومستقلين في تفكيرهم ، وغيرهم من قدماء ومحدثين. بل انها لفتت ايضا أنظار بعض الدارسين للقرآن من غير المسلمين! أمثال
E. RENAN ارنست رینان
Chevalier وشوفالييه.
Cudfroy Demombynes وثمود فروا دومونبين
ثم ذكر الاسباب التي تجعل هذه الظاهرة غريبة: منها كثرة الاختلافات التي توجد عادة بين مخطوطات الكتاب الواحد، ومنها ما وقع لكتب الأنبياء السابقين. ومنها الحرب العدوانية التي أعلنها ضد الاسلام والقرآن، جميع اعداء الاسلام في جميع انحاء العالم، منذ نشأة الاسلام الى اليوم، في كل من الميدانين: الخارجي والداخلي. ومنها ما تضمنه القرآن من الوعد بحفظه، والإخبار عنه بانه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه! مما من شأنه ان يغري اعداءه العديدين الاقوياء بمحاولة تكذيبه. ومنها ما اصيب به المجتمع الإسلامي من تصدع، في عهد مبكر من تاريخ الاسلام، وما صاحب ذلك من فتن وحروب، وما نشأ عنه من مذاهب وطوائف تستبيح فى تناحرها كل المحرمات، خصوصا وقد تسرب الى صفوف بعضها أقوام لا نصيب لهم من الاسلام الا الانتساب اليه. ثم أجمل الاسباب التي هيأت للقرآن هذا الحفظ الغريب في العناية البالغة التي استمر الرسول يوليها للقرآن طوال مدة نزوله عليه تلاوة، واستظهارا، وتبليغا، وأمرا بالكتابة وحظ على التلاوة والاستظهار والتبليغ والتعليم. وانصراف صحابته الكرام الى امتثال أوامره صلى الله عليه وسلم في ذلك انصرافا كاملا بحيث كان القرآن شغلهم الشاغل، حتى اصبحت كل سورة من سور القرآن يستظهرها عن ظهر قلب من لا يحصى كثرة من الرجال والنساء والأطفال بدوا وحضرا ، وتوجد نسخها المكتوبة عند العدد العديد منهم، ومواصلة خلفائه وصحابته بعد انتقال روحه الطاهرة للرفيق الأعلى على هذه العناية البالغة بالتلاوة والاستظهار والتعليم والكتابة الى ان اصبح مستظهروا القرآن عن ظهر قلب يعدون بالألوف، وانتشرت نسخه المكتوبة في كل مكان وصلته الدعوة الاسلامية، قبل حدوث الفتنة التي فرقت كلمة المسلمين، ثم مواصلة المسلمين في العصور المتعاقبة والنواحي المختلفة هذه العناية البالغة بالقرآن تلاوة واستظهارا وتعليما وانتساخا. مما جعل من المستحيل نجاح اية محاولة لإحداث اي تحريف او تغيير فيه مهما كان ضئيلا. ثم أفاض في تفصيل هذا الاجمال، واورد قول القاضي ابى بكر بن العربي المعافري دفین فاس في كتابه (معرفة قانون التأويل وفوائد التنزيل): واما كيفية تأليف القرآن فقال علماؤنا المحققون: ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى جمع القرآن ورتبه على ما هو عليه اليوم: سورة تلو سورة، على ما أمر به جبريل عليه السلام: اجعل آية كذا بإزاء كذا وكذا، وسورة كذا تلو صورة كذا وكذا. كما اورد قول ابن سعد في (الطبقات): ان عمل زید بن ثابت في جمع المصحف على عهد ابى بكر كان بمنزلة اوراق وجدت في بيت الرسول فجمعها جامع بخيط حتى لا يضيع منها شيء. وفي تصوير مبلغ انتشار المصاحف المكتوبة بين المسلمين على عهد عمر بن الخطاب اورد قول امام اهل المغرب الحافظ لمحجة الناقد ابى محمد بن حزم في كتابه (الفصل): وان لم يكن عند المسلمين اذ مات عمر مائة ألف مصحف من مصر الى العراق الى الشام الى اليمن فما بين ذلك فلم يكن أقل. واشار الى انكار ابن حزم إنکارا شديدا على من زعم ان عثمان اذ كتب المصاحف التي فرقها في الافاق اسقط ستة احرف من الاحرف المنزلة واقتصر على حرف واحد منها قائلا : كل هذا باطل ببرهان كالشمس، وهو ان عثمان لم يكن الا وجزيرة العرب كلها مملوءة بالمسلمين والمصاحف والمساجد والقراء يعلمون الصبيان والنساء و كل من هب ودب، واليمن كلها وهي في ايامه مدن وقرى، والبحرين كذلك ، وعمان كذلك، وهى بلاد واسعة: مدن وقرى وملكها عظيم، ومكة، والطائف، والشام وكلها كذلك ، والجزيرة كذلك ، ومصر كلها كذلك، والكوفة، والبصرة كذلك. في كل هذه البلاد من المصاحف والقراء ما لا يحصي عددهم الا الله تعالى وحده ، فلو رام عثمان ما ذكر ما قدر عليه. واما قولهم انه جمع الناس على مصحف فباطل، ما كان يقدر على ذلك لما ذكرنا ولا ذهب عثمان قط الى جمع الناس على مصحف كتبه. إنما خشي أن يأتي فاسق فيسعى في كيد الدين، او يهم واهم من أهل الخير فيبدل شيئا من المصحف ، يفعل ذلك عمدا وهذا وهما، فيكون اختلاف يؤدى إلى الضلال فكتب مصاحف مجتمعا عليها وبعث الى كل افق مصحفا ، لكي إن وهم واهم او بدل مبدل رجع الى المصحف المجتمع عليه ، فانكشف الحق وبطل الكيد والوهم فقط ( ج 6 ص 77).
ثم ذكر المحاضر ان اروع ما يصور عناية المسلمين البالغة بالمحافظة على القرآن قصة رسم المصحف، فقد كانت الكتابة العربية خالية من النقط والشكل، وكذلك كتب الصحافة مصاحفهم، ثم مست الحاجة الى التفرقة بين الحروف المتشابهة فوقع التفريق بينها بالنقط. ثم احدثت نقط للتعبير عن الحركات المختلفة تلافيا للخطأ في القراءة ، ولكن بعض السلف كرهوا ذلك محافظة على ما فعله الصحابة، وترخص في ذلك آخرون ولم يروا به بأسا، ولكن هؤلاء جعلوا هذه النقط بلون مخالف للون الكتابة، ولم يستجيزوا كتابتها بلون واحد خوفا من حدوث تغيير أو تخليط في المرسوم، فربما زيد في النقطة فتوهمت لأجل السواد الذي ترسم به الحروف انها حرف من الكلمة، اما كتابتها بلون مخالف فانه لا يحدث في المرسوم تغييرا ولا تخليطا، كما أنهم قالوا : انما يشكل ما اشكل من الحروف، وليس على كل حرف يقع الشكل . انما يقع على ما اذا لم يشكل التبس ، لو شكلت الكلمة من اولها الى آخرها لأُظلمت ولم تكن فائدة، اذ كان بعض ذلك يغنى عن بعض! ثم أحدث الخليل بن احمد الحركات المعروفة لشكل الشعر، ولكن علماء الدراسات القرآنية لـم يقبلوا شكل الحروف القرآنية بهذه الحركات بدل النقط، فقد قال ابو عمرو الداني في القرن الخامس الهجري: وترك استعمال شكل الشعر، وهو الشكل الذي اخترعه الخليل، في المصاحف الجامعة، من الامهات وغيرها أولى واحق، اقتداء بمن ابتدأ النقط من التابعين، واتباعا للائمة السالفين. وكذلك اسماء السور، فعن أبي حمزة قال: رأى ابراهيم النخعي في مصحفي: فاتحة سورة كذا وكذا، وفاتحة سورة كذا وكذا، فقال لي: امحه ! فان عبد الله بن مسعود قال: لا تخلطوا في كتاب الله ما ليس منه. وسأل ابو بكر السراج ابا زين: أأكتب في مصحفي سورة كذا وكذا ؟ قال : اني اخاف ان ينشأ قوم لا يعرفونه ، فيظنونه من القرآن ! فلا عجب اذن - وهذه عناية المسلمين بالقرآن وغيرتهم عليه أن يستمر سليما محفوظاً وان يستمر اطمئنان المسلمين في يقين جازم لا يخالجه اي و هم مهما كان ضئيلا في أنهم يقرأون في كل عصر وفي كل مكان نفس القرآن الذي انزله الله على رسوله وقرأه رسوله على صحابته وتلقوه منه ولقنوه بدورهم للتابعين واستمرت الاجيال المتعاقبة يتلقاه الابناء عن الآباء جيلا بعد جيل، منذ اربعة عشر قرنا كاملة. هذا وقد صادفت محاضرة الاستاذ الكتاني استحسانا كبيرا من المستمعين، وطالبه كثير من علماء المسلمين ضيوف المغرب بالحصول على نسخة منها ، ويسر (الايمان) ان تقدم اليوم ملخصا منها للقراء فى انتظار نشر رسالة يعدها الاستاذ للنشر في الموضوع، ضمن برنامج مساهمة المغرب في إحياء ذكرى مرور اربعة عشر قرناً على نزول القرآن الكريم.


اتصلوا بنا

تفضل قدم رسالة عبر الإيميل
kettani.y@gmail.com


أو عبر الواتساب على الرقم


(212) 661 198 993